أصبح من المسلمات أن الهواتف الذكية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. نحن نعتمد عليها في جميع التفاصيل، بدءًا من التواصل واستمرارًا في إدارة أعمالنا وحتى تنظيم جداول يومنا وبالتأكيد، فإن هذا الاعتماد المتزايد أدى إلى زيادة الحاجة إلى إبقاء هواتفنا مشحونة مسألة حيوية لا يمكن تجاهلها. بناءً على ذلك، أصبح من الشائع جدًا استخدام أنواع جديدة من المقابس الكهربائية، حيث انتشرت المقابس التي تقدم إلى جانب مقبس التيار المتناوب (بجهد 220 أو 110 فولت). منفذ USB مخصص لشحن الهواتف توجد الأجهزة اللوحية وغيرها في المنازل الحديثة نسبياً، بالإضافة إلى وجودها في المطارات، وزوايا المقاهي، وعلى أرفف مراكز التسوق، وحتى في وسائل النقل العامة. للوهلة الأولى، تبدو هذه المواقع كأنها الحل المثالي للمشكلة.نفاد البطارية في الأوقات الحاسمة ، حيث تسمح للمستخدم حمل كابل الـ USB فقط بدلاً من الحاجة لحمل رأس الشحن الكبير. رغم أن هذا المقبس يسهل الأمور للكثيرين، إلا أنه يحمل بعض المخاطر، لذا يُفضل تجنبه تمامًا في الأماكن العامة إلا في حالات الحاجة القصوى. دعونا نشرح الأسباب التالية.
مخاطر منافذ الشحن العامة
كل شيء يعتمد الآن على منافذ USB
في الفترة الأخيرة، كان من الشائع أن تحتوي الهواتف على عدة منافذ لتلبية احتياجات مختلفة، حيث كان هناك منفذ مخصص للشحن، وآخر لنقل البيانات، وثالث لتوصيل السماعات. أما في الوقت الحالي، فقد تم دمج جميع هذه الوظائف في منفذ واحد متعدد الاستخدامات، وغالبًا ما يكون من نوع USB-C. على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يوفرها هذا التطور من حيث البساطة وسهولة الاستخدام، إلا أنه فتح المجال أمام مخاطر أمنية لم تكن متوقعة. فقد يكون المنفذ المستخدم لشحن الهواتف هو نفسه المستخدم في عمليات الاختراق وسرقة المعلومات أو الملفات أو حتى تثبيت تطبيقات ضارة بشكل خفي، مما يعني أن الاتصال بمنفذ شحن غير موثوق قد يعرض خصوصيتك وأمان بياناتك الحساسة للخطر.
على الرغم من أن محطات الشحن العامة لا تزال فكرة حديثة الاستخدام، ولا يزال استخدامها محدودًا خاصة في الأماكن العامة، إلا أن أخبارها لا تنتشر بشكل كبير. وغياب الوعي بشأن إمكانية استغلالها بطرق غير مشروعة لا يعني أنها آمنة، حيث تم تسجيل العديد من الحالات التي أثبتت أن منافذ الشحن العامة يمكن أن تصبح وسيلة خطيرة في يد الهاكرز لاختراق أجهزتنا وسرقة معلوماتنا الشخصية، كما سنوضح في الفقرات التالية.
كيف يتم استغلال منافذ الشحن العامة؟
توجد العديد من الطرق التي يمكن من خلالها استغلال هذه المنافذ في الأماكن العامة، ومن أخطر هذه الطرق الهجمات المعروفة بـ الـ. Juice Jacking في هذا النوع من الهجمات، يتم تغيير منفذ الشحن ليقوم بنقل البيانات من الجهاز المتصل دون علم المستخدم. في هذه الحالة، يمكن للمهاجم سرقة الصور، وجهات الاتصال، الرسائل، وحتى كلمات المرور وغيرها من المعلومات الحساسة، حتى وإن كان الهاتف مقفلاً برمز مرور أو كلمة سر. ولا تقتصر المشكلة على سرقة البيانات فحسب، بل يمكن لبعض المنافذ المعدلة تثبيت تطبيقات ضارة على هاتفك بمجرد الاتصال. قد تظل هذه التطبيقات كامنة لفترة من الزمن قبل أن تبدأ في جمع البيانات أو التجسس على أنشطتك في الخلفية، مما يجعل من الصعب اكتشافها.
من بين الطرق الأكثر تعقيدًا توجد تلك المعروفة بهجمات الـ Man-in-the-Middle في هذه الحالة، يقوم المخترق بالتقاط الاتصالات بين جهازك وأي خدمة تتصل بها عبر الإنترنت، مما قد يؤدي إلى سرقة معلومات حساسة مثل بيانات تسجيل الدخول أو المعلومات المصرفية.
قد يبدو الحديث عن المخاطر النظرية للبعض بعيدًا عن الواقع، لكن التاريخ مليء بأمثلة على الاختراقات التي تحدث من خلال منافذ الشحن العامة وما تشكله من خطر. ففي مؤتمر بلاك هات الشهير عام 2013، تم... عرض شاحن مزيف لهواتف آيفون يمكن برمجة هاتف متصل لتثبيت برمجيات خبيثة في غضون ثوانٍ، مما أثار قلق الخبراء في مجال الأمن السيبراني، وقد استجابت شركة آبل بسرعة لمعالجة تلك الثغرة. ولكن، تُعتبر هذه الحالة الأولى المعروفة لاختراق الهواتف عن طريق منافذ الشحن، فرغم أن الشاحن يبدو عادياً تماماً، إلا أنه في الحقيقة يُمكن أن يُستخدم لاستغلال جهاز الضحية لأغراض عدة.
لاحقًا، في عام 2015، عرض الباحث الأمني المعروف "سامي كامكار" ابتكارًا مثيرًا للقلق أطلق عليه اسم "Key Sweeper". هذا الابتكار هو أداة تبدو للعين كأنها شاحن عادي يمكن استخدامه لشحن بطاريات الهواتف. لكن في الواقع، هي قادرة على سحب وتخزين البيانات المرسلة من لوحات المفاتيح اللاسلكية القريبة، مثل كلمات المرور وأسماء المستخدمين، ثم إرسالها للهاكر. كما تحتوي الأداة على بطارية داخلية تتيح لها العمل لفترة من الزمن حتى عند فصلها عن الكهرباء.
وأضيف إلى كلامي أنه توجد العديد من الأدوات التي تم تصميمها لاختراق الهواتف الذكية وفتح قفلها وسرقة محتوياتها بشكل تلقائي. يمكن أن تتنكر هذه الأدوات في شكل شاحن هاتف يُترك عمدًا في أماكن مثل الفنادق، أو يتم استبدالها بالشواحن المدمجة في المقابس الكهربائية الحديثة لتبدو وكأنها غير ضارة تمامًا.
كابلات الـ USB أيضًا تشكل تهديدًا خفيًا
منافذ الشحن العامة ليست الخطر الوحيد الذي ينبغي علينا أن نكون حذرين منه، إذ يمكن أن تكون كابلات الـ USB المستخدمة عرضة للاختراق في الحقيقة، مما يجعلها مصدرًا للأضرار التي تهدد أمان هاتفك. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو الابتكار الذي تم تقديمه خلال مؤتمر DefCon لعام 2019، وهو عبارة عن كابل يُسمى "O.MG Cable" هذا الكابل، الذي يبدو ككابل USB عادي، يحتوي على شريحة متطورة داخله تتيح للمهاجم التحكم عن بُعد بالجهاز المتصل. وهذا يفتح المجال لإمكانيات لا حصر لها من الاختراق والتجسس. فعند توصيل الكابل بجهاز الكمبيوتر، قد يظهر الكابل كأداة إدخال، مما يُتيح للهاكر التحكم بالجهاز عن بُعد باستخدام فأرة ولوحة مفاتيح افتراضية. ومن هنا يمكن القيام بعمليات مختلفة، بدءًا من سرقة الملفات إلى تثبيت برمجيات خبيثة لاستغلالها في المستقبل.
رغم أن الكابل المذكور لا يزال في مرحلة النماذج الأولية ولا توجد معلومات موثوقة تفيد بأنه يُستخدم فعليًا، إلا أنه يعد دليلاً واضحًا على أن الكابلات ليست آمنة بالكامل. فقد يتعرض جهاز لابتوب حديث يستخدم منفذ USB-C، على سبيل المثال، للاختراق بواسطة كابل ملوث أو منفذ شحن مُعد خصيصًا لاستهدافه.
كيف تحمي نفسك من هذه المخاطر؟
الحقيقة أن البداية تتطلب الوعي والحذر، حيث القاعدة الأساسية هي تجنب استخدام أي شواحن أو منافذ شحن عامة متاحة كلما كان ذلك ممكنًا. يجب أن تحمل معك الشواحن والكابلات التي تحتاجها أينما ذهبت، تحسبًا للأسوأ. صحيح أن هذه الهجمات لا تزال نادرة اليوم، لكنها تحمل مستقبلًا كبيرًا جدًا مع تزايد شعبية منافذ الشحن العامة وكون معظم المستخدمين غير مدركين لمخاطرها، بالإضافة إلى إمكانية وجود العديد من الثغرات الأمنية التي لم تُكتشف بعد. من المهم أيضًا أن تكون حذرًا بشأن المقابس الكهربائية المتاحة في حال كنت ضيفًا في فندق، حيث قد تظهر أدوات الاختراق كشواحن يُعتقد أنها تركت من قبل نزلاء سابقين، مما يجعل استخدامها مغريًا، أو قد تكون أدوات مخفية متصلة بمقابس غير مرئية أو بعيدة عن الأنظار.
إذا اضُطررت إلى استخدام هذه المنافذ، فكر في الاستفادة مما يُعرف بـبـ "حاجز البيانات"تعمل هذه الأداة الصغيرة كحاجز يحمي، حيث تسمح بمرور التيار الكهربائي فقط وتمنع أي محاولات لنقل البيانات. بالإضافة إلى ذلك، توفر معظم الهواتف الذكية الحديثة خيارًا يُعرف بـ "الشحن فقط" عند توصيلها بمنفذ USB. عند تفعيل هذا الخيار، يتم منع أي تبادل للبيانات، مما يجعل عملية الشحن أكثر أمانًا.
بالطبع، ليست محطات الشحن العامة الوحيدة التي ينبغي عليك الحذر منها، فالشبكات اللاسلكية المتاحة في العديد من المطاعم والمقاهي والأماكن العامة تمثل خطرًا أيضًا. وإذا كنت مضطرًا لاستخدامها، نوصيك باتباع الإرشادات التي وردت في موضوعنا السابق حول.نصائح لاستخدام شبكات الواي فاي العامة بأمان على أي جهاز. .
في الختام، أصبح الوعي الأمني حاجة ملحة لا يمكن التغاضي عنها. على الرغم من أن محطات الشحن العامة تقدم حلاً سريعًا ومريحًا لمشكلة نفاد البطارية، إلا أن المخاطر المرتبطة بها قد تكون مكلفة بشكل لا يُحتمل. تذكر دائمًا أن الحذر أفضل من الندم، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بأمان بياناتك الرقمية وخصوصيتك الشخصية.